التصنيفات
الحياة عام

التسامح بين الغفران والخطاء

لا أعلم من أين للبعض القدرة على كشف الآخرين بكلمة أو نظرة، خلقت في هذه الحياة كورقة بيضاء و توقعت في المقابل أن جميع الأوجه التي أقابلها ماهي إلا إنعكاس للصفاء الذي اراه من حولي. وحتي حين حذرني البعض ظننت أن توجيهاتهم ماهي الا إنعكاس لما يدور في أذهانهم فقط بينما العالم من حولي يتكون من حائط أبيض يمكنني تلوينه بالطريقة التي أفكر بها.

ويا لهذه الفكرة من خطاء، فقد أكتشفت في عقدي ليس الأول ولا الثاني بل في الثالث أن كل الأمور التى تدور من حولي هي تدور لهدف أو سبب محدد ولا يمكن لها أن تدور لترسم نقطة بيضاء على حائطي بل لترسم شتى الألوان المقبولة والغير مقبوله في عرف الأخلاق. لذا كان على بعد مضي كل هذه السنوات أن أعيد التفكير ليس مرة بل مئة في جميع العلاقات التى تربطني بمن حولي، أصبح جل أهتمامي ليس نوع العلاقة بل الطريقة التى تدار بها هذه العلاقة هل يمكننا أن نصل الي مرحلة فاصلة نحدد فيها مصير الآخرين في حياتنا. ولكن لحظة ! من أنا لاحدد مصير مئات العلاقات التي تربطني بالمجتمع! هل أنا معصوم من الخطاء بالطبع لا فأنا بشر خلقت لأخطى ويخطئ علي. وهذا جزء من دائرة الحياة التي من خلالها نقابل جميع الأنواع والأعراق لنتعرف على أولئك الذين يشبهوننا ويشاركوننا حلو الحياة وفي المقابل نتعلم ونستكشف النقيض ونتعلم كيف نتقبله.

حين ذكر رسول الله في الحديث : “لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين” يقصد بها في المعنى *ضرورة أن يتنبه المرء للأمور من حوله وأن لا يكرر نفس الخطاء بنفس السذاجة التى وقع فيها في المرة الأولي، فالشخص النبيه الذي يعرف بكوامن و غوامض الأمور يصبح حذر مما سيقع، وأما الشخص المستهتر بما يدور من حوله فقد يتأذي من نفس الموقف الواحد مراراً. وهي حكمة من أصدق الناس وأكثر الناس الذين لا يلتفتون لمساوئ الخلق لكونها عامل بسيط في دائرة العلاقات البشرية ولكنه ينبه المسلمين في كل بقاع الأرض لأهمية أن لا تغلب عليهم الطيبة ويكونوا سذجاً بل يجب أن يتنبهوا في جميع أمور حياتهم المهنية أو الاجتماعية على حد سواء.

إلا أن اليقضة المستمرة قد تكون ذات سلعة غالية وتسبب إرهاق نفسي وذهني لا يحمد عقباه لذا وجب أن نفرق بين الأصحاب والأغراب فلا يمكننا أن نكون بنفس مستوى اليقضة مع الأغراب ومع أولئك المتواجدين بشكل دائم ولا تفصلنا عنهم مسافة كبيرة وقد يكون وجودهم القريب يأخذنا على حين غفلة إدراكنا. لذا في نفس السياق ذكر جعفر بن محمد* بالقول: “إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذرًا، فإن أصبته، وإلا، قل: لعل له عذرًا لا أعرفه” نحن لا نتوقع من الجميع النبل أو مكارم الأخلاق بل نتوقع القليل منهم ونسعى لسد الهفوات بما تبقى من مكارم الأخلاق لدينا.

أن التسامح مرحلة مهمة في كينونة الأنسان، بل قد نطلق عليها لقب جوهرية فهي الحد الفاصل بين التوقف عند نقطة محددة أو الانتقال وتجاوز النهر للضفة الثانية، الأرض الجديدة التى تغسل شوائبك وتخلصك من الأفكار المكررة التى تدور في رأسك يوم بعد يوم. نحن نحتاج للتسامح لأن الآخرين ليسوا معصومين، ولأن المشاعر تتغير في مرحلة ما قد تعود وقد لا تعود، لأن الآخرين يصلوا لمرحلة النضج الذهني والنفسي بمراحل مختلفة وبطرق فريدة، لأن الجميع يحاول أن يعيش في لحظة ما ويجبر نفسه على التلون، التأقلم والاستجابة لمتغيرات الحياة بطريقته الفريدة.

فكلنا نحاول أن ننتصر على هذا العالم بطريقة ما !

*شرح المعنى العام لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم من موقع إسلام ويب
رابط : https://www.islamweb.net/ar/fatwa/74303/
*مرجع قول جعفر بن محمد
رابط : https://www.islamweb.net/ar/fatwa/45706/

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.