التصنيفات
عام

الحق لا يطلب بل ينتزع

أن التغييرات التى أسست الدول الديمقراطية تبين لنا على مر العصور أن الحقوق لم تمنح الي أصحابها و لو لمرة واحدة. فحقوق الشعوب المسلوبة والثورات التي قامت جراء ذلك للمطالبة بهذه الحقوق أحد هذه الأمثلة. حيث أن نتائج عدم استجابة الدولة بشكل ودي الي مطالب الشعب هو الثورة والمطالبة بقلب نظام الحكم ونزع هذه الحقوق. ولنسترجع معكم الثورة الفرنسية حين طالب الشعب الفرنسي بحقه في المعيشة والعمل والتعليم والصحة. إلا أن تجاهل الملك لويس السادس عشر في الاستجابة لهذه المتطلبات وأستمراره في استنزاف أموال الشعب والحكومة في هرطقات فانية مثل الحفلات والمناسبات الإجتماعية ناهيك عن الاستنزاف الأكبر لأموال الخزينة الفرنسية من خلال الحروب المستمرة وأخرها حرب السنوات السبع. بالإضافة الي نظام الضريبة الذي تم فرضة على الشعب والمزارعين واسُتثني منه النبلاء و رجال الدين. ومن هنا نرى كيف تمت إدارة الدولة الفرنسية بتحيز كبير لطبقة النبلاء وكأن أصحاب الحق هم من الطبقة الحاكمة فقط وليس هنالك حق للشعب والفرد الذي يقوم بدفع الضرائب والقيام بمهامه بشرف ونبل في سبيل مصلحة الدولة. 

لما نذهب بعيداً الي عصر الدولة الفرنسية بل أننا نرى هذا الأمر جلياً في عصرنا الحالي أو ما يطلق عليه عصر الألفية. وذلك من خلال نظام الوظيفة و قوانين الموارد البشرية التي نجدها بارزة في كل نظام وزاري أو مؤسسي. نجد أن القائمين على هذا النظام ينسبوا لأنفسهم لقب حماة حقوق النظام الاداري و المالي، ولكن ماذا عن حق الموظف من الجهة المخولة بحفظ حقه و منحه مكتسباته من دون المطالبة! لماذا يجب على الموظف البحث المستمر عن حقوقه والمطالبة برفع درجته الوظيفية نهايك عن المطالبة بالبدلات كبدلات التنقل والسكن وغيرها الكثير. بالاضافة الي المطالبة بحقوق الوظيفة كالمكتب والكرسي. أي تعاسة نعيشها في هذا الزمان أن كان كل ما يمنح لنا هو الحد الأدنى من المطلوب وفي حال عدم ذكرك للأمر لايمكن أن تحصل عليه أو على ما تستحق. 

أن الشرح لمعنى كلمة الحق من الترميذي والمقصود به هنا الملك أو المال فقال : “ الحق هو الموجود الثابت لصاحب الحق أو المال من الطرفين والذي أغار عليه صاحبه .. فهو حق أو مال ثابت وموجود له ..” والمقصود هنا أن الحق هو الشي المكتسب للفرد وتم منحه له بدون مطالبة من قبله، وهو أمر ممنوح له من قبل الحكومة أو  الدولة أو أنتقل له بالوراثه أو غيرها من الأمور. ومن هذا المفهوم نستبين أن الأصل في الحق أنه شيء يمنح لا أن يتم المطالبة به. ولكن عنوان مقالنا اليوم لا يحث على المطالبة فقط بل يتعداها الي النزع أيضاً وهو أمر يخالف المعني الطبيعي للكلمة والمفهوم العام الي أن الحق شيء يجب أن يتم منحه أو ارجاعه الي أصله أي الي صاحبه.( الحكيم الترمذي – الفقية الناقد – جزء١٧- ص ١٠٥. )

ويحضرني أحد المواقف حين بدأت أول وظيفة لي، أذكر بأن الأمر كان جديد عليّ، فنحن في جامعة قطر سنة تخرجي لم يكن هنالك تدريب ميداني بل أنك تنتقل من كونك طالب يحمل كتبة ودفاتره إلي موظف يجلس على مكتب ويباشر مهامه الوظيفية. وللأسف نظراً لكون هنالك فارق كبير بين موظفي الدرجة الثانوية وموظفي الدرجة الجامعية فحين تنتهي من دراستك الجامعية يتم التعامل معك وكأنك “أبو العريف” بحكم شهادتك. ولكن الدراسة شيء والوظيفة شيء مختلف تماماً ولا يمكنك العمل بشهادة علمية بحته في وظيفة ميدانية من دون أي تدريب أو تطوير. أذكر أن الشيء الوحيد الذي تم ذكره لي حين وقعت على أوراق الوظيفة هو القيمة الكلية من الراتب. بدون تفاصيل عن التطوير المهني أو وصف وظيفي واضح كل ماهنالك أن الموارد البشرية أرسلت لي ورقة وطلبت توقيعي.

ومن بعد توقيع تلك الورقة تمارس مهامك الوظيفية مثل ( الحضور والانصراف، الأكل والتباحث مع الزملاء عن نوع وجبه الفطور و وقت الخروج ) فعلياً في أول وظيفة لي لم يتم توجيهي بل كنت كالمستكشف كولمابوس على شواطئ أمريكا. و خلال عملي في تلك الوظيفة على مدار سنتان لم أذكر أن موظف الموارد البشرية تواصل معي أبداً لتقديم مشورة أو شرح الخدمات المقدمة ( مثل نوع الدورات التدريبية، الحقوق ) كل ما هنالك أنك تسمع من زملائك عن نوع الحقوق وأن كانت تناسبك وتود المطالبة بها تتواصل مع موظف الموارد. أما بعد السنتان وجدت أن المكان لا يناسبني فقررات أن أذهب الي مؤسسة أكثر تطوراً ظناً مني أن الوزارة التي عملت فيها ذات نظام اداري قديم فهي تأسست منذ سبعينيات القرن الماضي. أما المؤسسة الجديدة فهي حديثة التأسيس ولنكون أكثر دقة تأسست مع الألفية. فمن الطبيعي أن تكون ذات نظم إدارية حديثة وتتماشي مع القرن الجديد. إلا أن خيبتي كانت أكبر. فللأسف هذه المؤسسة تم تأسيسها بواقع فكره نبيلة ولكن النبل أحياناً يتم استغلاله لمصالح ليست نبيلة. ولأشرح لكم بالتحديد ماذا أقصد. فبعض الأمور في الدولة وفي النظم الادارية يتم استغلال اسم شخصية حاكمة تديرها لتمرير أي قانون أو نظام اداري بدون مناقشته. للأسف فهذه المؤسسة قدمت لي عرض وظيفي أكبر من السابق ولكنه لا يتساوى مع اي موظف على درجة السنير في تلك المؤسسة. فأنا أعمل ٨ ساعات وبنفس المهام الوظيفة الموكلة لموظف سنير غيري لديه نفس سنوات الخبرة ولكنه نهاية كل شهر يستلم راتب أعلى مني لأنه في المقابلة الوظيفية أخبرهم أنه يعلم أن الحد الأدنى للراتب هو ١٧ الف. وهي معلومة لم أكن أعلمها ليس جهلاً مني ولكن لأن الواسطة التى اخبرته بذلك لم أكن أملكها. لذا تم استغفالي واخباري بأن هذا العرض الوظيفي المرشح لي.

وايضاً خلال عملي في تلك الجهة لم يتم استدعائي من قبل الموارد البشرية خلال مدار ٥ سنوات لتوجيهي بحقوقي وأي نواقص من المفترض أن تمنح لي.

وأنا اعزي هذا الجهل الذي تقع فيه إدارات الموارد البشرية في جميع الوزارات أو المؤسسات التابعة للدولة مباشرة هو أن نظراً لكون الدولة تم تأسيسها قبل ٤٠ عاماً فقط مما يعني أن أي إدارة موارد بشرية في أي جهة تم إدارتها من قبل ٣ الي ٤ مدراء على مدار هذه ال٤٠ عاماً وأغلب هولاء المدراء يأتوا من خلفيات علمية مختلفة مثل إدارة أعمال، محاسبة، قانون وتخصصات مختلفة وبعضهم أكتسب حقه كمدير بسنوات الخبرة التى نصفها قد يكون بدرجة ثانوية. لم أرى خلال سنوات عملي مدير موارد بشرية يبحث عن مصلحة الموظف جميعهم يبحثون عن المصلحة التي ستساهم في إسعاد مدرائهم التنفيذين من خلال تقليص الحقوق الوظيفية للقطريين.

أن الرغبة في التطوير يجب أن تكون وفق نظام مؤسسي متكامل تم وضعه منذ بدء التأسيس وليس وفق متطلبات تتبدل بتبدل الأشخاص والمسئولين.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.