لا اعلم ما الذي قد يجعل أحد يتنازل، هل هي الرغبة في الوصول! أم عادة جبلنا عليها.. نطالب بالاختلاف دائماً. أن نسلك مسلك جديد في الحياة مغاير ومن شأنه أن يغيرنا.
ومع بدء مرحلة الشباب نجد أن كل الأمور التي نود تحقيقها هي في واقع الأمر في متناول أيدينا ونستطيع أن نتحصل عليها بمجرد السعي لها. حين كنا نعاني من صعوبات في الحصول على درجات دراسية عالية قيل لنا : ثابروا لتحققوا أعلي الدرجات ومن ثم تتخرجوا بفخر من الجامعة. فترسخ في أذهاننا أن كل ما نحتاجه هو المثابرة والمثابرة ، لنصل النقطة الف بباء. ليس هنالك كيمياء أو فيزياء أو مسائل حياتية غامضة نحتاج لحلها. المشكلة موجودة ، و حلها بين أيدينا. قد يكون النهوض كل صباح قبل موعد شروق الشمس والبحث بين الأسطر والكلمات أمراً صعباً على البعض ولكنه ليس مستحيلاً.
حتي في المرحلة التي صاحبت الجامعة من علاقات اجتماعية أو عاطفية كل ما قد قيل لنا كان يتمحور حول بذل المزيد من الجهد لكسب قلب تلك الفتاة أو ذاك الشاب. السعي لنيل الصداقات وأكتساب المعارف، لنكن أشخاصاً محبوبين و مميزين.
لا أذكر أحد في حياتي العشرينية قد قال لي أن كل هذه الأمور لا قيمة لها في مجال العلاقات الاجتماعية والتي تتمحور حول أمكانية الأمساك بزمام الأمور، معرفة الكيفية و الأوقات المناسبة لتحريك العصا. كانت قوة الشباب تشع من جسدي ، ولم يكن لأنصاف الأمور أهمية. حين تتمكن من الكسب بشكل مستمر لا تلتفت للفتات.
المشكلة للأسف بدت جلية و واضحة في ثلاثينيات عمري، حين أصبح الشباب غير مهم والرغبة للسعي تقابلها رغبات أكثر و أقوى. حين أتضح لي أنه لا يمكن نيل جميع الأمور الحياتية بالرغبة والمثابرة فقط! بل هنالك طرق معقدة وملتوية كثيرة لنيل ما تود نيله. حيث أن الأهداف لم تعد وظيفة أو شهادة جامعية. لم تعد علاقة عاطفية عابرة . بل أمر معقد جداً ولا يمكن تنفيذه من خلال الرغبة فقط بل لا بد أن تجتمع الرغبة والحاجة والأهم من هذا كله القدرة على مواكبة المتغيرات وتقديم التنازلات بجميع أشكالها لتتمكن من تحقيق رغباتك.
أن القدرة على تقديم التنازلات لا يمكن اكتسابها بين ليله و ضحاها.أنها مثلها مثل جميع الأمور يجب صقلها لحين التمكن منها، لحين الشعور أنك من خلال هذا التنازل تربح أموراً لا يمكنك ربحها بالصدام أو المثابرة. أن تعرف نوعية المعركة التي أنت مقدم عليها وتختار السلاح المناسب لها. فلا يمكن استخدام سلاح واحد لجميع المعارك. لابد من التماشي مع الأمواج والظروف والمتغيرات. لابد من النظر لما هو أبعد من زجاج نافذتك. يجب أن تطلق نظرك للمروج والغيوم.
تعلم أن بعض التنازلات مكسب لا خسارة