مدخل : أنه لأمر محزن أن تكون محاطاً بهذا الكم الهائل من الناس دون أن تجد ذاتك فيما بينهم.
لقد مرت فترة طويلة دون أن أتمكن من أيجاد شخص يشاركني شغفي في هذه الحياة، شغف يسمح لي أن أكون معه بكامل حواسي وطاقاتي خلال محادثة صغيرة قد لا تتجاوز خمسة دقائق. للأسف كل من أجلس معه أجده شخص بسيط فكرياً لا تسمح له ثقافته من التنقل بين المواضيع، جل اهتمامه ينصب في ذكر أحداث مكرره و مواقف تطيل الاحاديث المملة.
وهذا أمر أصبح مكرر في جميع المناسبات التي حضرتها خلال الفترة الأخيرة، أن جل اهتمام الجميع أصبح منصب على جمع عدد من الأشخاص في مكان واحد دون الإلتفات لرغبة أي منهم أو دون وجود أفكار مشتركة حيث أن جل ما نراه هو المبالغة في التقديمات وتنسيق المكان فقط. لكن لا يوجد هنالك شيء مشترك لجمعهم، مما جعلنا ننتقل من مناسبة خاوية الى الاخرى تتشارك فيما بينها بنوع الأنشطة وطرق التسويق لها.
انتقل التسويق الذي كنا نراه سابقاً من المقاهي والمطاعم الى جلسات العائلة و الأصدقاء والغريب في الأمر أن وجوده في تلك الأماكن يعد أمراً طبيعياً ومقبولاً نظراً لأعتمادهم على العائد المالي المنتظر من الزبائن ولكن أن يتواجد التسويق في جلسات عائلية واجتماعية فهو أمر مستغرب ويدعو للتسأول عن سبب نشائته و اجتهد في أن أعزي الأمر الي عدد من الأسباب أهمها وجود فجوة بين الأشخاص المدعوين ولا يمكن سدها من خلال الأحاديث بل لابد من توجيه الأهتمام الى أمور ترفيهية لإسعاد وجذب المدعوين ويحضرني قصة أمريكية شهيرة بأسم ” غاتسبي العظيم ” حين يحاول الشخصية البطل ” غاتسبي ” إقامة مناسبات أسبوعية تحتوي على عدد من سبل الترفية المختلفة كالمغنين والموسيقين والألعاب النارية وذلك لحشد أكبر عدد من الضيوف في منزله من إجل قتل شعوره المستمر بالوحده.
ومن هذه الفعاليات وسبل التسويق للتجمعات العائلية ; عربة الكوفي ذات التكلفة التى تتراوح بين ١٥٠٠ الي ٣٥٠٠ ريال بالاضافة الي المضيفات و عدد من صواني الحلويات وذلك نظراً لانتشارها وصعوبة وجود بيت حديث يتقن عمل الحلويات والموالح كما أمهاتنا في السابق ، بالاضافة الي بوفية عشاء من أحد موردي الأطعمة وكأن هذا التجمع لعدد من الدبلوماسيين وأصحاب المناصب القيادية الرفيعة ، وهو في الحقيقة تجمع عائلي أو أجتماعي بسيط لا يتعدى حضوره ١٥ – ٢٠ شخص.
ولا نصل الى نهاية المناسبة إلا ونجد المضيف يدفع ما يزيد عن ٨ الف ريال قطري.
أن هكذا نوع من التكلف مقبول لدى الأثرياء ولكنه ذو ثقل كبير في حال كانت الدعوة موجهه من ذوي الدخل المحدود، فنجد الزيارات قلت نظراً لأن دعوة الأصدقاء أصبحت “بتكلفة”، والسبب في هذا كله هو رغبة الجميع الحصول على صوره مناسبة لحساب السناب شات ليخبروا العالم كله والمكون من نفس الجمع العائلي أنهم حضوا بدعوة لمناسبة مميزة. ولكن أين الهدف الرئيسي من هذه المناسبة ألا و هو مشاركة الأحاديث والمواضيع وأهم مستجدات الأحداث. للأسف طغت الصورة الثابتة على الحياة المتحركة! فأصبحت الأحداث تنتقل إلينا من خلال صورة دون الحاجة لمشاركتها مع أحدهم ، أصبح الجميع قناة أخبارية ليومياته فنجد أخبار فلان و فلان متواجده في سنابه و في حال غفلنا عن سنابه يأتينا البعض ليقول ما عرفت أخبار فلان وحين نجيب بالنفي يأتينا الرد : ” شدعوه مب معاك في السناب ” ! وماذا أن لم أكن معه في السناب هل هذا معناه أن أخباره ستنقطع عني! للأسف نعم. في هذا العصر من ليس معك في هذه المنصة أو تلك يصعب عليك معرفة مستجدات أخباره.
لذا نجد أن تلك الصورة الثابتة هي عنوان الموضوع وفحواه و لم يعد هنالك شئ ذو قيمة بدونها.
قيل في البهرجة والتكلف : ” الكثير من الناس ينفقون الأموال التى يتحصلون عليها لشراء أشياء لا يريدونها ليبهروا أشخاصاً يكرهونهم ”