هل يمكننا اعتباطاً اعتبار أن الضحك أو الابتسام في وجه من لا تحب ذوق؟ أم نفاق؟ بما أننا في عصر الحياة المصطنعة، في المرحلة التكنولوجية التي لا نميز بها الواقع بين الصورة واللحظة، فليس من المستبعد أن تكون الحقيقة كامنة في ما نراه لا ما هو كائن. وليس علينا اعتباطاً اعتبار أن الابتسام في وجه من لا تحب ( نفاقاً ) بل هو الحقيقة المطلقة الي أن يتم التصريح بغير ذلك .
أن النهضة الصناعية جلبت معها العديد من المفاهيم التي ترتكز على المصلحة في سبيل تحقيق الغايات على نقيض ما كان متعارف عليه سابقاً من أهمية ايثار الأخلاق أو ما يعرف بمصطلح النبل في سبيل تقويم المجتمع وجعله متماسكاً في وجه العوامل الخارجية كالعدو والمجتمعات الآخرى، أن العدو أحد أهم العوامل سابقاً في جعل أي جماعة تتفق أو تشكل مجتمعاً متماسكاً قادر على مجابهة الأطماع الخارجية. فحين تم اسقاط جسر برلين عام 1989م قال المستشار الألماني ألكسندر أرباتوف موجهاً كلامه للحكومة الأمريكية ودول أوروبا : ( سنقدّم لكم أسوأ خدمة، سنحرمكم من العدو! ). فالعدو حين يكون واضحاً ، يمكننا اتخاذ التدابير اللازمة التي من شأنها تحقيق الأمان النفسي والوجداني للفرد. إلا أنه حين لا يكون هنالك عدو لا يمكننا بأي ثمن تحديد الوجهات التي سنتحرك إليها وبالتالي العقبات التي سنتجنبها. أن عدم اليقين يبعث الي التصرفات العشوائية.
لذا نجد انتشار عدد من المفاهيم المجتمعية التي لم تكن مقبولة فيما قبل النهضة الصناعية، والتي تصب جميعها في تقديس العمل والصناعة والسعي الي تذليل كافة الصعوبات في سبيل قوامة الأولى. لذا سيكون من الطبيعي أن تكون الأخلاق أحد تلك الأمور التي من الواجب تذليلها للوصول الي مكانة مرموقة في هذا المجتمع الصناعي. أن الذوق في السابق كان مرتكزاً على ما يتم تبادله بين الطبقة المجتمعية نفسها، لا بين طبقة أعلي وطبقة في مستوى أقل فلا يمكن للنبلاء أن يقال أنهم يتحلون بالذوق تجاه الفئة العاملة من المزارعين بل كان يعتبر هذا التصرف عطفاً من جانب الشخص النبيل على المزارع. أما اليوم فلا يمكن تصنيف ما يقوم به النبيل في مفهوم (العطف) بل لم تعد هنالك مستويات فاصلة بين الفئتين. لذا نجد أن ما يقوم به الاثنان تجاه بعضهما من أخلاق ينم عن الذوق وليس هنالك أمر يجبرهم على التصنع. ونظراً لاختفاء الطبقية ، ظهر لنا عامل اخر يجعل الأشخاص يقومون على تفضيل المصلحة في جميع التعاملات، ومن هنا يمكننا القول بأن حس المجاملة أصبح ضرورة في سبيل تذليل أي عقبات تقوم على المصلحة في هذا العصر.
يقول أبوالطيب المتنبي :
ولما رأيت الجهل في الناس فاشياً
تجاهلت حتى قيل إني جاهلٌ
فوا عجبا كم يدّعي الفضل ناقص
و واسفا كم يظهر النقص فاضل