استيقظت صباحاً على نبأ وفاة صديق لي في مقر عمله، ولم يكن شخصاً عادياً فهو الرجل الذي ينظم جميع أعمال وفعاليات وأنشطة المؤسسة فهو الدينمو ونقطة الوصل بين تقاطعات الإدارات المختلفة. أنه الجوكر الذي يوجد للمشكلة الواحدة مائة حل، لم يكن يعجزه نوع أو طبيعة المناسبة، مهما كان كبر حجمها أو عدد الحضور أو المستوى الرفيع للحضور كان من النوع الذي يقال عنه مستعد دائماً وابداً. ولم يكن من النوع الذي يهمل في نفسه أو منزله فقد كان من الرجال القلائل أو كما يقال الأن بين جيلنا رجل من رجال الزمن الجميل. الذين مهما تكالبت عليهم الصعاب نجدهم ملتزمين بموعدهم مع عائلاتهم، متواجدين صباحاً للتأكد من وصول أبنائه مقر المدرسة، ونهاية اليوم المدرسي لضمان إيصالها سالمين للمنزل هذا غير الرحلة الممتعة من المدرسة للمنزل والتى كانت لا تتم بدون أحاديث أو نكت عن ماذا وكيف ولماذا.
أنه شخص استثنائي ليس في مقر عمله فقط بل في منزله أيضاً، فهو الزوج المحب والحنون، السند لزوجته وعائلته. فهو يأبي أن يقلل من أعبائه الكثيرة لكي لا يشعرهم بنوع من التقصير المادي ولكي لا يقل المستوى المعيشي مهما كانت الظروف. لذلك حين سمعت خبر وفاته توقعت الكثير من القليل. حزنت في البدء كثيراً وهممت أتواصل مع أخته التي كانت صديقة مقربة لي. والذي عرفته من جميع الانباء أنه توفي وهو يشرف على التحضير لاحد المعارض الهامة في الدولة وهو معرض تم الإعداد له منذ أكثر من ثلاثة أشهر. وذلك من خلال عملية تسويق مكثفة لاستقطاب أكبر عدد من المشاركين في المعرض بهدف زيادة القيمة السوقية للمعرض فأي معرض لا يمكن أن ينجح دون العدد الكافي من المشاركين ممن له صفات معينة تساهم في رفع قيمته واستهداف عدد من الحضور والزوار لضمان نجاحه.
توفي هذا الرجل المعطاء وهو في أوج عطائه فقد كان مستوى الضغط عالي قبل افتتاح المعرض بيوم واحد حيث تم ارسال كافة الدعوات للشخصيات الهامة وتم تأكيد عدد منها، ولم يتبقى علي الافتتاح سوى ستة ساعات. والذي حدث لم يكن أحد يتوقعه، نظراً لكمية العمل الواجب انجازه كان الرجل يقف بنفسه على كل مهمة ووظيفة لتمام اتمامها بالشكل المناسب وكان هذا الأمر سبب في نسيان المتوفي لتناول حبة تقليل ضغط الدم. ونظراً للتوتر الذي يقابل تنفيذ مثل هذه المعارض مما تسببب في ارتفاع ضغطه وتوقف قلبه خلال احدى المهمات.
توقف قلبه عن العمل، توقفت الرئتان، ضاق مستوى النفس شعر بأن الدنيا تدور به، حاول أن يصرخ على أحدهم، يستنجد به لينقذه ليصل اليه قبل أن يقبض الموت على روحه، لم يكن أحد موجود فالجميع كان في فترة استراحة مدتها ساعة لتناول وجبة الغداء الا هو أبي أن يأخذ قسطاً من الراحة وحاول بكل جهد أن يتم بعض الأعمال المعلقة.
وُجد ممداً على أرض المعرض، لافضاً أنفاسه الأخيرة بوحده و وحشه، اطلقت زوجته صرخة سمعها كل من كان موجوداً وهبوا للنجدة ولكن لم يكن هنالك مجال للنجدة. طلب أحدهم سيارة الاسعاف لتقله الي المستشفى ومن ثم الي مثواه الأخير. ثم تم اعلان الوفاة.
لم يتغير أي شي، تم افتتاح المعرض في موعده، المدعوين جاءوا من كل مكان، تبادل الجميع التهاني على الافتتاح في الوقت الذي كان أهله يصلون عليه صلاة المودع. بكت زوجته وكادت أن تصاب بانهيار عصبي. أمه بكت وصرخت امسكوا بها فهو ابنها البكر الطفل الأول الذي معه شعرت كيف للفؤاد أن يتحرك خارج الجسد. والتى كل فترة ظهيرة من العزاء تجول في الطرقات لتعرف كيف هي درجة الحرارة وتدعي وهي تتجول ” برداً على جسد ابني ، يارب” فقد كانت درجة الحرارة لا تطاق.
الأهل بكوا. تألموا، اعتصر الألم قلوبهم وكاد أن يفتك بهم. ولكن ركب الحياة لم يتوقف ، لم تتوقف الأعمال عن اتمامها فحين يموت أحد ينوجد له بديل في مجال الأعمال بشكل فوري. وذلك حتى لا تتأثر صناعة المال. نحن في زمن لا يمكن أن لا يكون لنا بديل. قد يوجد البديل في نفس الوقت الذي نقبل به بشروط الوظيفة.
مارسوا حياتكم وكأنه لا يوجد لغد غد، استشعروا قيمة اللحظة في ذاتها لا تتوقعوا الكثير من البعض. فالأحبة يرحلوا، والأخوة ينسوا، والأهل ينشغلوا. لا يبقى لك الأ ذاتك في أشد الصعاب واخفها. تذكر أنه الله وحده هو السبيل والغاية.
IQ22 